sanfoura
"بس...بس،و ناري على عينين!! واش مانشوفوش أزين؟؟؟" جملة سمعتها من طرف شاب مر أمامي وأنا في محطة الحافلة، لكني أزحت وجهي عنه بسرعة، واعترتني حمرة الخجل، و إذا بصوت مبحوح يقطع موجات خجلي: << هاد لاولاد مابقاوش كايحاشموا...>>، إلتفت، فإذا بها سيدة في عقدها التالت تقريبا، سمراء البشرة، خط الزمان على ما بدا من جسمها تجاعيد لكل منها قصة، أجبتها بابتسامة موافقة على ما قالته، فاستطردت: <<إوا أبنتي حتى دصارة ما بقى عليها لا سر ولا ملحة، ماشي بحال زمان، كان رجال ما يقدرش حتى يهز عينيه في المرأة، وحتى إلى زاغبو الله و قال شي حاجة، كايتغزل ب شي قصيدة ديال لمالحون ولا شي متل شعبي ديال الحب و الغرام.... أما دابا الله يخليه جيل هذ ما تسمعي غي مايخالعك ...>> و ضحكت بصوت متقطع ، حتى بدت أسنانها التي دهب أكتر من نصفها...
و إذا بحافلة تقترب، سألتني عن وجهتها فقرأت لها ما كتب عليها، فكانت تلك التي تنتظر... إستقلتها بعدما ودعتني...تاركة إياي غارقة في بحر من التفكير العميق في ماقالته هذه السيدة العجوز... فوجدت كلامها منطقيا...فحتى المعاكسة أودصارة أو الصيادة أصيبت بحمى التحضر و
المعاكسة أودصارة أو الصيادة أصيبت بحمى التحضر و الموضة... و بعدما كنا نسمع كلمات تركز أغلبها على جمال المرأة و كيف جعلت الرجل يقع في غرامها و يشار الليل و يرافق النجوم و القمر...أصبحنا نتعجب لكلمات شباب اليوم المستعملة: << واو على قرطاسة...وقنبولة هادي غادة على رجليها...و الساطة واش مانشوفوش مع هاد تيتيز...>>، يا لحالنا اليوم ، و كيف كنا و كيف أصبحنا، فأين كان هذا الانحلال و الانحراف قد طال حتى فن المعاكسة، فلا داعي لنتساءل عن موروثنا الحضاري و مساهماتنا شيئا فشيئا في اندثاره...
على الأقل من سبقونا تركوا لنا ما نتذكرهم به، أشياء لايمكن أن تمحى من ذاكرة أي مغربي: أغاني جيل جيلالة و ناس الغيوان، إشهار فلن الزى ياناس أو زيت كريستال، أو لعبة البيناج أو فورا أو حابة أو الأشكال التي تصنع من الماسستيك....
و كيف تستطيع أي مغربية أن تنسى الجلابة ولقب و التآم... أو العكر الفاسي...ولا لخواض و الحنة كصبغة للشعر، أو طرز العموري لتأثيت الصالونات المغربية...أو حتى الشاربيل والمضمة ديال الصقلي الحر..و زيد و زيد...
أين كنا وأين أصبحنا... ضيعنا في عالم انترنت و فيسبوك و MSN و الشات...و ما الصحيح هل ضعنا أم ضيعنا أنفسنا مخيرين أم مكرهين؟؟؟...على الأقل ترك لنا أجدادنا تاريخا للعودة إليه كلما سنحت لنا الفرصة...أما نحن، فلا داعي أن نسأل نفس السؤال، فلا جواب لنا عليه...وحتى إن حاولنا فسنثلعتم...كأننا تحت ضغط إمتحان المحفوظات...
كلما عدنا بالزمن إلى الوراء،تستوقفنا إبتسامات على مامضى...لكنها إبتسامات ملؤها الفخر على جيل طبع بصمته على حقبة من الزمان...كما سيأتي يوم علينا يضحكون فيه على بصمتنا التي لم نتركها،ضحكة كلها إستهزاء و سخرية على جيل فقد هويته التقافية و الحضارية...
لم ينقذني من سباتي المؤقت سوى صوت الحافلة...إنه الخط الذي أنتظر...استقليتها و إستهزاء مازال يجول بخاطري: << او شفتي دصارة فين وصلتنا...والفاهم يفهم ...؟؟؟
S A N F O U R A