هل من الممكن الحديث عن "نخبة عسكرية" ريفية على غرار "النخب الاقتصادية" و" السياسية" و"المثقفة"؟ أم انه من الممكن الحديث فقط عن مؤشرات وبوادر تشكل مشروع "نخبة عسكرية" أجهضت في المهد؟.
مهما يكن، وحتى إن لم نقر بوجود نخبة عسكرية ريفية تتوفر فيها كل المقاييس، فيمكن على الأقل الحديث عن نواة لرجلات عسكرية تنمي إلى الريف وتحمل إحساس الانتماء إلى هذه المنطقة.
وثمة روافد متعددة ساهمت في بروز معالم "نخبة عسكرية" بالريف خلال العقود الماضية، بدء من مرحلة المقاومة التي قادها الشريف محمد أمزيان وفيما بعد بن عبد الكريم الخطابي والتي أعطت وسمحت بظهور شخصيات وقيادات عسكرية آنذاك. كما شكلت الحرب الأهلية الاسبانية فرصة ومحطة لبروز وجوه عسكرية ستمهد لمراحل بداية تشكل نواة عسكرية ريفية من خلال انخراط هذه الأخيرة في الجيش النظامي الرسمي.
وعلاوة الحرب الاسبانية، تعد فترة نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينيات من القرن الماضي محطة أخرى ضمن هذا الإطار، لاسيما خلال فترة الحرب العالمية الثانية التي عرفت مشاركة للعديد من الريفيين بجانب الشعوب المغربية الأخرى إلى جانب دول الحلفاء وخاصة ضمن الجيش الفرنسي وانخراطها في حروب عالمية أو كما هو الشأن بالنسبة للمشاركة في الحرب الهند-صينية/لاندوشين.
ولعل أهم ما ساهمت به هذه الأحداث التاريخية هو تعزيز مشاركة الريفيين ضمن حروب قوية وبجانب جيوش نظامية وحديثة ووسائل متاحة. كما وسع هذا الأمر من تجاربهم وخبراتهم العسكرية. إضافة إلى ذلك ، فقد ساهمت مرحلة تجربة جيش التحرير بالمغرب في بروز نواة شخصيات عسكرية ستكون فيما بعد أساس ظهور "نخبة عسكرية" خاصة خلال مرحلة ما بعد الاستعمار قبل أن تنتهي هذه التجربة بعد اقل من 20 سنة فقط.
والواقع أن المجال لا يسمح هنا بتفصيل ودراسة الجذور الثقافية والاجتماعية والتاريخية لمجموعة من الأسماء والشخصيات التي تدخل ضمن إطار "النخب العسكرية" بالريف، ولا بطبيعتها ومنطلقاتها ومسار تشكلها. لكن من الواضح أن بداية تشكل وبروز هذا المعطى السوسيوثقافي بمفهومه الحديث، يعود إلى مرحلة بداية التوسع والاحتلال الاستعماري الذي فرض المواجهة والتصدي والمقاومة وحروب الاستقلال، الأمر الذي مكن وسمح بظهور قيادات عسكرية منها التي انتهى دورها وظهورها بنهاية هذه التجربة التحررية ومنها أسماء ووجوه عسكرية ظهرت فيما بعد من خلال احتلالها لمواقع في هرم المؤسسات العسكرية.
وإذا كان عهد الاستعمار الأجنبي قد ارتبط بتجارب عسكرية قادتها قيادات حربية ومقاومة وأبطال من طينة الذين نعرفهم، فان مرحلة ما بعد ذلك ارتبطت بأسماء ووجوه انخرطت في القوات الملكية المسلحة أو الجيش المغربي رغم تباين مسار وانتماء ومصير هذه العناصر ذاتها التي تشكل نواة "نخبة عسكرية" ريفية.
ومن بين الأسماء التي تقترن بهذه التجربة، نذكر: الماريشال محمد أمزيان، أشهبار، الحرشي، أحكيم، وعليت، ميمون المنصوري، محمد وامحمد اعبابو، محمد المذبوح، أمقران، الرياني... وأسماء أخرى تفاوتت مواقعها ومسؤوليتها العسكرية بين جنيرال وكولونيل...
ومعلوم أن اغلب هذه الأسماء ارتبطت بمجموعة من الأحداث التي عاشها المغرب خلال العقود الماضية، وارتباطها هذا كان دائما يحمل دلالة وينم على حضور عامل الانتماء إلى منطقة الريف خاصة بالنسبة للأسماء التي يقترن ذكرها بالمحاولتين الانقلابيتين لسنة 1971 و1972.
يقول محمد الرايس في هذا الصدد وجوابا عن سؤال يتعلق بدواعي والمصدر الذي جاءت منه المحاولة الانقلابية لسنة1971: " أتت من الريف. سكان هذه المنطقة لم ينسوا أبدا ما جرى في 1958. قنبل الحسن الثاني، الذي كان وليا للعهد حينئذ، المنطقة. جمع السكان وحكم عليهم بالعشرات. وهذا ما دفع الريفيين إلى احتضان "الأحلام الانفصالية". وبعد ذلك، رأى الريفيون بنظرة سلبية احتكار الفاسيين للوظائف العليا في أجهزة الدولة. وهذا ما يفسر جزئيا عنف المواجهات بين الريفيين والجيش...".
وانطلاقا من مجموعة من المعطيات التاريخية الأخرى، يبدون أن العديد من الأسماء التي يمكن أن نذكرها في سياق الحديث عن نواة "النخبة العسكرية" بالريف، كانت تحتل مواقع متقدمة في الجهاز العسكري طيلة العقود الماضية، خاصة قبيل المحاولة الانقلابية 1972 رغم استمرار بعض الأسماء في شغل مهامها دون ليس بالصورة التي كان عليها الأمر قبل أحداث بداية السبعينات من القرن الماضي. كما أن العديد من الشهادات والمعطيات تؤكد حضور اعتبار الانتماء الجغرافي والاجتماعي والثقافي لمنطقة للريف بالنسبة على الأقل لبعض الأسماء التي قادت الانقلابات العسكرية التي شهدها المغرب، من بينها أساسا المقدم أمقران (انظر هذا الأخير أثناء محاكمته) والكولونيل اعبابو...إضافة إلى أسماء أخرى كان مسارها مختلف تماما عن مسار هذه الأسماء الأخيرة كالماريشال محمد مزيان وأشهبار والحرشي... وهي الأسماء التي تختلف في طبيعتها ومسارها ومصيرها عن الوجوه العسكرية الريفية الأخرى.
جنيرالات الريف، ماذا كان مصيرهم؟
يختلف مصير كل اسم من هذه الأسماء المذكورة. فمنها التي كان مصيرها عاديا، بمعنى أنها استمرت في شغل وظائف وواصلت العمل وتقلد مهام داخل مؤسسة الجيش إلى أن انتهى بها الأمر إلى الحصول على التقاعد كما هو حال محمد مزيان واشهبار...ومنها أسماء كان مصيرها مختلفا تماما عن مصير من أنهى مهامه بشكل عادي، كما هو الشأن مثلا للجنيرال محمد المذبوح الذي قتل بقصر الصخيرات لحظة شد الحبل بينه وبين اعبابو والحسن الثاني.. وقد انتهى به الأمر هنا وهو الذي كان يشغل مهمة مدير الديوان الملكي. أما محمد اعبابو، مدير مدرسة أهرمومو، فقد مات في نفس اليوم لكن أمام مقر القيادة العليا بعد أن كان قد أصيب برصاصة داخل قصر الصخيرات وظل ينزف دما حتى بعد مرور أزيد من 4 ساعات إلى حين أن طلب من الجنيرال عقا إطلاق رصاصة رحمة عليه. أما أخوه امحمد اعبابو فقد اعتقل من أمام مقر الإذاعة قبل أن ينتهي به الأمر إلى الموت في دهاليز السجن آو بالأحرى فقد كان مصيره كمصير من تأكله الثورة ولا تعرف حقيقة مقتله.
وبالسبة للحالة المتعلقة بالمقدم أمقران، فبعد أن التجأ إلى جبل طارق لحظة فشل محاولته الانقلابية بعد الهجوم على الطائرة الملكية، فقد سلم من طرف السلطات الانجليزية للسلطات المغربية وحوكم إلى جانب أسماء أخرى شاركته العملية، قبل أن يستدل الستار على آخر صفحة ضمن هذه المحاكمة بعد أن اقتيد هؤلاء وكان أمقران واحد منهم إلى حيث اعدموا إلى غير رجعة
[size]محمد المذبوح، الجنيرال الذي أكله الانقلاب[30=size]
يعد الجنرال محمد المذبوح واحد من مهندسي المحاولة الانقلابية لسنة 1971 إلى جانب الكولونيل اعبابو. ويذكر أن بداية التفكير والاستعداد لهذه العملية ارتبط بشكل سري مع ترقية كل من محمد وامحمد اعبابو يوم 3مارس 1971 كتمهيد للانقلاب وبالزيادة في تسليح مدرسة أهرمومو التي كان على رأسها امحمد اعبابو.
وبالرجوع إلى مجموعة من الكتابات والشهادات يتبن أن فكرة الانقلاب على نظام الحسن الثاني بدأت تراود المذبوح، وهو المعروف باستقامته وإخلاصه وكان موضع ثقة، بعد عودته من زيارة قادته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للتحضير لزيارة الملك آنذاك، اكتشف خلالها حجم الفساد المستشري وحالة الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالمغرب.
ويذكر محمد الرايس أحد الذين عاشوا جحيم تزمامارت: "ذات يوم بعث الحسن الثاني المذبوح في مهمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك التقى بسناتور أمريكي معروف. هذا الأخير طلب من المذبوح رأيه في الرشوة التي كانت تنخر النظام المغربي. ابتدأ المذبوح بإنكار ذلك، لكن السيناتور الأمريكي طلب أمثلة ملموسة. بما في ذلك أمثلة من وسط الجيش. وعند عودته إلى المغرب أعد المذبوح تقريرا مفصلا للحسن الثاني الذي وعد بالقيام بالضروري. ولما لم يحدث أي شيء أعاد المذبوح التذكير بذلك، لكن الحسن الثاني طلب منه أن ينسى كل شيء ولا يثير هذا الموضوع أبدا. وهنا أحس المذبوح بأن الملك يخفي عنه شيئا خطيرا ومهما...أرعبت هذه القضية الجنرال المذبوح. اخذ إجازة لمدة شهرين بدعوى المرض وانزوى في بيته. وهكذا تسربت فكرة الانقلاب إلى ذهنه...".
التخطيط للانقلاب والإطاحة بالنظام الذي يعتبر الجنيرال محمد المذبوح واحد من مهندسيه رفقة ابن بلدته اعبابو ومن الرؤوس المدبرة له، كان قد خطط للقيام بهذه العملية يوم 14 مارس في الحاجب إلا انه تقرر في آخر لحظة العدول عن هذه الفكرة وتأجيل المشروع إلى وقت آخر، وهو ما ترجمته العملية الانقلابية ليوم 9 يوليوز 1971 حيث لقي حتفه برصاصات أردته قتيلا.
يقول الحسن الثاني حول هذا الموضوع: " أدركت انه متورط في المحاولة عند شرع التلاميذ الضباط في إطلاق النار، توجهت إلى جانب آخر بالقصر صحبة بعض المقربين. وهناك اخذ المذبوح بيدي قائلا: تعال معي، يجب أن أنقذكم، لذا يتعين أن نذهب لرؤية اعبابو. فأجبته قائلا: لا، لن أتفاوض مع ضابط تحت إمرتي، فابعث إلى اعبابو ليأتي إذا أردت، أما أنا فلن أخرج من هنا". وهنا انتهت قصة هذا الجنيرال الذي كان والده قائدا قبل أن يذبح من طرف أهل الريف بعد أن كان على علاقة مع الأسبان ومن تم اخذ هذا الاسم وأطلق عليه.
[size]الكولونيل اعبابو نابليون الصغير [30=size]
امحمد اعبابو واحد من الأسماء العسكرية التي تتقاسم وغيرها الانتماء الجغرافي إلى منطقة الريف. ويعد واحد من مهندسي انقلاب 10 يوليوز 1971. وتحكي العديد من الشهادات أن اعبابو طالما بين عن شجاعة وكفاءة خارقة منذ أن ولج سلك المؤسسات العسكرية.
ومن أغرب ما ظل عالقا بأذهان الناس كيف بقي هذا الشخص واقفا رغم أن ذراعه الأيسر ظل ينزف دما داخل قصر الصخيرات طيلة 5 ساعات بعد أن أصيب برصاصة الكولونيل لوباريس، إلى أن طلب من صديقه إطلاق رصاصة رحمة عليه.
امحمد اعبابو هو من مواليد 1935 ببورد، دائرة أكنول/ اقليم تازة إحدى اهم محاور "مثلث الموت" ومعقل جيش التحرير المغربي. تلقى تعليمه بالمدرسة الابتدائية الفرنسية بتازا، وهو ابن شيخ قبيلته.
بعد إتمامه لدراسته الابتدائية انتقل إلى مكناس لمتابعة الدراسة الإعدادية. وبعد سنة 1956 التحق بالأكاديمية العسكرية بنفس المدينة. وطيلة مدة دراسته اظهر قدرة وتفوق وطموح لا نظير له. وكان يتميز بقامته القصيرة وبنيته الجسدية القوية ووسامته. وخلال تلك الفترة أطلق عليه زملاءه لقب "نابليون الصغير".
بعد تخرجه في نفس السنة تم تعيينه ضمن الفرقة التاسعة للمشاة بالحامية العسكرية بأكادير بعد تخرجه برتبة ليوتنان. وبعد مدة قضاها بهذه المدينة تم تعيينه بوزان إلى غاية 1961 حيث عاد إلى الأكاديمية العسكرية بمكناس وتعيينه أستاذا، وهي المرحلة التي استغلها للإعداد لاجتياز امتحان الدخول إلى المدرسة الحربية بفرنسا، الأمر الذي تأتى له ليسافر إلى فرنسا ويستفيد من دورة تكوينية لمدة سنة ليعود إلى المغرب برتبة كومندان، وتم تعيينه على رأس الفرقة الثامنة للمشاة بوجدة التي أمضى بها وقتا قصيرا بعد أن عينه الجنرال إدريس بنعمر على رأس المدرسة العسكرية بالحاجب وترقيته إلى رتبة ليوتنان كولونيل.
بعد ذلك التحق بأهرمومو سنة 1968 على رأس المدرسة العسكرية وهنا بزغ اسم امحمد اعبابو وسطع نجمه بالنظر للانجازات والإصلاحات والتغيرات التي أقدم عليها ابن بورد.
وشكلت هذه المحطة نقطة تحول ومنعطف هام في مسار الكولونيل اعبابو، لاسيما بعد بداية التنسيق مع الجنرال المذبوح ابن قبيلته استعدادا للقيام بانقلاب عسكري كان مقررا له أن يتم يوم 13 مارس وفق المخطط الذي كان قد وضع من قبل إلغاء هذه الفكرة والعدول عنها لكن دون العدول عن فكرة الإطاحة بالنظام وهو ما حاول القيام به بعد الهجوم على قصر الصخيرات يوم 10 يوليوز 1971 حيث لقي حتفه وكانت نهايته في مشهد درامي ليسدل الستار عن اخر فصول حياة الكولونيل اعبابو امحمد، فحين أن أخاه محمد الذي كان يكبره تم اعتقاله في نفس اليوم.
[size]محمد مزيان: الماريشال المثير للجدل [30=size]
يعد المارشال محمد مزيان من الوجوه العسكرية التي ترتبط بمنطقة الريف. كما انه الشخصية المثيرة للجدل. وهو فضلا عن ذلك متميز في مساره عن باقي الوجوه الاخرى.
ولد "جنيرال اسبانيا المسلم" كما يلقب عادة في فاتح فبراير 1897 ببني انصار/اقليم الناظور وتوفي بمدريد في 1 ماي 1975. يعتبر أول عسكري مغربي اسباني. وتذكر مجموعة من المصادر ان محمد مزيان " الطفل الريفي الصغير فاجأ الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر خلال زيارته إلى مليلية عندما سأله ماذا يريد أن يكون في المستقبل، فأجابه ببرود مثلك يا سيدي، بدت الدهشة على محيا العاهل الأسباني وكأنه لا يصدق أذنيه، ثم أراد أن يتأكد من مقصد الصبي فأجابه هذا الأخير ببراءة، تخفي ما تخفيه، بأنه يريد أن يكون قبطانا في الجيش، كانت للملك فراسته الخاصة، لذلك لم يتردد في تقديم وعد لوالد الطفل بأنه سيدخله مدرسة عسكرية بمجرد ما يبلغ سن السادسة عشرة، ولم يخلف الملك ألفونسو الثالث عشر وعده وحقق حلم الصبي الريفي عندما كان أول مغربي ينزع الجلباب القصير، ويرتدي اللباس العسكري وعمره لا يتجاوز 16 سنة خلال العقد الأول من القرن العشرين".
ومعلوم ان ملك اسبانيا اضطر الى تغيير قانون الاكاديمية العسكرية بطليطلة من أجل ان يتكمن صديق فرانكو من الالتحاق بها، والمارشال محمد مزيان يعد العسكري الوحيد في تاريخ ضفتي مضيق جبل طارق الذي لبس البزة العسكرية لإسبانيا، ثم نزعها ولبس أخرى مغربية عندما نودي عليه للالتحاق بصفوف القوات المسلحة الملكية بعيد الاستقلال، بل أثار انتباه الحسن الثاني الذي كان يمتلك حاسة شم سياسية قوية وعينه في منصب وزير، ثم حاول الاستفادة من خبرته بطبائع وأسرار الإسبان، وخصوصا نظام فرانكو عندما عينه سفيرا له بمدريد، لكن مهمته كانت قصيرة لم تتجاوز السنة، ما بين 1966 و1967، ربما انتهى خلالها الحسن الثاني إلى أن أمزيان ما زالت تجرفه سيول الحنين إلى تفاصيل حياته الأولى في الضفة الشمالية لجبل طارق.
كان عود الماريشال أمزيان الفارع، المجسد في طوله الذي يقترب من المترين وصلابته وضبطه لتقاليد الجندية، عوامل حاسمة في نجاحه وسطوع نجمه خلال قمع الثورة الريفية بقيادة عبد الكريم الخطابي، بيد أن أمزيان ظل يحمل في جسده تذكارا من إخوانه الريفيين عندما جرح في معركة أنوال عام 1921 وهو يحارب ضد أستاذه القديم بن عبد الكريم الخطابي، كانت الرصاصتان اللتان أصابتاه قد جعلتاه يدخل المستشفى، حيث التقط له المصورون الإسبان بعض الصور التذكارية، وهو طريح الفراش وبجانبه يقف والده الذي كان يلقبه الإسبان بأمزيان الطيب، مثلما تظهر صور أخرى زيارة الجنرال فرانكو له في المستشفى، عندما كان هذا الأخير كولونيلا في جيش سلالة دي بوربون. وعندما قامت الجمهورية الثانية على أنقاض تاج آل بوربون، وجد فرانكو الشاب أمزيان إلى جانبه يحارب ويجيش أبناء جلدته ليشاركوا في حرب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا بعير، وكان يقود كتيبة من المسيحيين والمسلمين، بل كان واحد ممن قرروا مصير إسبانيا المسيحية دون أن يتخلى عن دين الإسلام، وانفجرت الأساطير عنه مثل عيون ماء في وسط الجبال، وراج وقتها أنه استطاع أن يسقط طائرة تابعة لليساريين الإسبان بطلقة بندقية، لذلك مازال حقد اليسار الاسباني متوقدا عليه حتى بعد أزيد من ثلاثة عقود على وفاته، مثل روجت الصحافة الأجنبية وقتها أن الفيالق الوطنية لفرانكو قامت بإهداء نساء إسبانيات لكتائب المغاربة عرفانا بالجميل، وهو ما لم تنسى ذكره المؤرخة الإسبانية مارية روسا دي ما درياريا في كتابها " مغاربة فرانكو" كانت ثقة فرانكو في أمزيان كبيرة، لذلك عينه في مناصبة حساسة في الجيش الإسباني، كان آخرها شغله منصب قائد عسكري عام لجزر الكناري ما بين سنتي 1955 و 1956. قبل أن يستجيب لدعوة الملك محمد الخامس بالالتحاق بصفوف القوات المسلحة الملكية التي كانت بحاجة إلى خبرة ماريشال محنك مثل أمزيان، خبر التقنيات العسكرية في الميدان وشارك في أكثر من حرب ضارية، فطلب أمزيان من فرانكو أن يحرره من قسم ال علم الذي أداه لخدمة وطنه الثاني إسبانيا، لتبدأ حقبة جديدة من حياة ماريشال الضفتين لم يرزق أمزيان بغير ابن ذكر واحد إسمه مصطفى، درس في الأكاديمية لسيغوبيا ومات في حادث سير، وهو الذكر الذي توسط 6 بنات كانت زيجتاهن كلها عسكرية ينتقيها الماريشال بعناية، ما عدا واحدة تزوجت بغير إرادته واعتنقت المسيحية دينا جديدا لها عوض الإسلام، في الوقت الذي كان أحد أصهاره كولونيلا ساهم في التخطيط لانقلاب الصخيرات ضد الحسن الثاني.
[size]محمد أمقران: هل هو اسم على مسمى؟ [30=size]
هو واحد من الأسماء التي يقترن ذكرها بأهم الأحداث السياسية والوقائع التاريخية التي عرفها المغرب خلال مرحلة السبعينات من القرن الماضي. كما يعد واحد ممن خطط وهندس عملية الهجوم على الطائرة الملكية سنة 1972 بحكم انه كان قائد القاعدة الجوية بالقنيطرة وهو من قاد سرب الطائرات التي حلقت في سماء هذا الوطن من اجل تحطيم الطائرة التي كانت تحمل على متنها الملك الراحل بعد عودته من زيارة قام بها إلى فرنسا.
ومن الأسماء الأخرى التي شاركت محمد أمقران في هذا المخطط نذكر اكويرة، وزياد،بوخالف... وتذكر العديد من شهادات من عاش أطوار هذه المرحلة أن محمد أفقير حينما سلمه الحسن الثاني كل السلط مباشرة بعد المحاولة الانقلابية الأولى بدأ تنسيقه مع محمد أمقران الذي استدعاه اليه ليلة انقلاب الصخيرات، وذلك للقيام بانقلاب عسكري ثان وهو ما يفسره تردد أفقير على القاعدة الجوية بالقنيطرة منذ تلك اللحظة.
والمعلوم أن المقدم محمد أمقران تم إعدامه إلى جانب 12 مسؤول عسكري آخر يوم 13 يناير 1973 بعد العديد من الجلسات بالمحكمة العسكرية التي لم ينكر خلالها أمقران ما نسب إليه من بعض الأفعال وهي الاعترافات التي بين فيها عن شجاعة وأثارت انتباه الناس والتي أكد خلالها بأنه كان بصدد "القضاء على الملك والتأمر على النظام" دون أن يعني ذلك إراقة دماء المدنيين. وتفيد العديد من المصادر أن أمقران فاجأ جنوده السابقين في القاعدة الجوية بالقنيطرة بحضوره، رغم انه لم يعد المسؤول عنها وقال لهم:" كنتم تعتقدون إنكم ستتخلصون مني إلى الآبد. لن يحدث هذا أبدا ما دمت حيا، أنا الذي سأقود العمليات هنا".
بعد فشل المحاولة الانقلابية في تلك الأثناء التجأ وحط أمقران بطائرته في جبل طارق الذي لم يمض به سوى ليلة واحدة بعد أن سلمته السلطات الانجليزية للمغرب رافضة طلب اللجوء الذي تقدم به وكانت نهايته هو الآخر درامية بعد حكم الإعدام الذي صدر في حقه