تعرف مدينة الرباط في هذه الأيام حركة غير معهودة، متمثلة في الاحتفاء بيوم الأرض. اختيرت مدينة الرباط من بين خمس مدن عالمية أخرى للاحتفاء بهذا اليوم، ويبدو أن الرباط أضعف هذه المدن على جميع المستويات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية، وطبعا السياسية أيضا.
ولغاية في نفس يعقوب تفضلت بعض الدول وبعض القادة من منحنا هذه الفرصة غير المسبوقة في تاريخ المغرب. لأسباب سياسية محضة تم تعيين الرباط العاصمة للاحتفاء بهذا اليوم، مع أن المقومات الذاتية والطبيعية والبيئية لا تسمح للرباط بهذا الشرف المفروض عليها. ونحن سكان مدينة الرباط نعرف هذه الأشياء أكثر من غيرنا.
نعرف مدينة الرباط أكثر مما يعرفها أولائك القادة الذين منحونا فرصة هذه الاستضافة. ويكفي أن نقوم بجولة كبيرة أو صغيرة في أزقة وشوارع الرباط لنرى هذا النفاق السياسي الذي تريد الدولة المغربية ومعها الدول العالمية فرضه على هذا الشعب الذي لا حول ولا قوة له.
نتجول شيئا فشيئا في الشوارع الكبرى للرباط وفي الأحياء الجانبية لمركز المدينة لنرى بوضوح أن الرباط لا تستحق هذا اللقب الذي أعطي لها ولو لفترة وجيزة. سكان الأحياء الجانبية يفضلون السفر بعيدا عن الرباط لاستنشاق هواء جميل ونقي بعيدا عن ملوثات المدينة وعن غياب المساحات الطبيعية الأنيقة والنقية. طبعا لا أحد يشك في أن الرباط تتوفر على بعض المساحات الخضراء البسيطة والقليلة جدا ولكن ذلك لا يعني أن نعطيها هذا اللقب الأكبر منها، وحتى لو وجدت بعض المساحات الخضراء في وسط المدينة أو في الأحياء الجانبية فإن تلك المساحات لا تخلو من أشياء تحز في النفس. النفايات والأشياء المتسخة موجودة في كل مكان في الرباط، بل وحتى تلك المساحات الخضراء تتوفر على نفايات من نوع خاص، كل الحدائق الطبيعية التي يجد فيها سكان الرباط متنفسهم مملوءة بعاهرات من مختلف المدن المغربية. مملوءة بصبيان وشبان متشردون هم أيضا من مختلف المناطق المغربية، ويكفي أن نزور الحديقة التي توجد في باب الأحد لنرى هذا الخراب الاجتماعي الملعون. وأشياء أخرى عجيبة توجد في شارع محمد الخامس وشارع الحسن، أزبال ليس لها مكان محدد وفوضى على مستوى الطرق وحركة السير. الحافلات قليلة جدا بسبب الشركة الأجنبية الجديدة التي فرضت على سكان الرباط، هذه الشركة التي يبدو أنها ملعونة خصوصا بعد إحراق أكثر من ثلاث حافلات خاصة بها، ويبدو أن سبب الإحراق هو سخط المواطن البسيط وعمال الشركة السابقة. عموما حركة السير مشلولة في الرباط. مع كل هذه الأشياء نحتفل بيوم الأرض رغما عنا.
سياسة عجيبة في بلد هو المغرب ولا غرابة في أن نجد المسؤولين الكبار في مدينة الرباط ينافقون أنفسهم ويعتبرون أن هذه الفرصة هي تاريخية للمغرب. قامت بعض الشخصيات السياسية بتدشين مجموعة من المشاريع في هذه الأيام، كما قام المسؤولون في الوزارة بنفس العمل. كل يشتغل بطريقته الخاصة في تزيين مدينة الرباط ولو لفترة وجيزة جدا. منصات أنيقة وعالية في شوارع الرباط استعدادا للاحتفال بسهرات فنية في هذا اليوم المعلوم، والمفروض أن يتم الاحتفال بهذا اليوم من خلال جلسات علمية عميقة، يتم خلالها طرح ما هو طبيعي وبيئي في العالم.
اليوم شوارع الرباط أنيقة ولا أحد ينكر ذلك، مساحات خضراء، مصطنعة طبعا، في كل مكان. والشارع الرئيسي، محمد الخامس، أنيق ونقي بعدما كان متسخا بدماء عشاق هذا الوطن. بعدما كان متسخا بدماء الفئة المثقفة الحزينة في المغرب. بعدما كان متسخا بدماء أبناء الشعب الأحرار الذين يجب أن نرفع من قيمتهم ومن معنوياتهم بالطريقة الصحيحة، لا أن ننافقهم بكلام غير مسؤول. هم المعطلون. حاملي الشواهد العليا من ماستر ودبلوم الدراسات العليا وحتى الدكتورة. هؤلاء يعرفون أن ما يجري اليوم في الرباط هو نفاق جديد وبدرجة أقوى.
قبل أيام قليلة خرج السيد ولي جهة الرباط سلا زمور زعير إلى شارع محمد الخامس ليصطدم بجيش من المعطلين، فكان لابد له أن يجد طريقة سياسية سليمة لوقف زحف هذا الجيش من شوارع الرباط، لذلك فرض على بعض المسؤولين عقد لقاء مع الكتاب العامون للمجموعات المعطلة من أجل تعليق نظالاتهم في شوارع الرباط مقابل الإدماج في الوظيفة العمومية بطريقة مباشرة وشاملة في العاشر من الشهر القادم. كما أكد المسؤولين أنه سيتم لقاء آخر مع الكتاب العام للمجموعات في 17 من هذا الشهر ولكن للأسف لم يتم. وهذا طبيعي جدا لأن المسؤولين كان هدفهم هو جس النبض عند المعطلين. هل سيقبل المعطلون بما فرضت عليهم الداخلية والوزارة الأولى، متمثلة في البكاري مستشار الوزير الأول، أم لا؟ وطبعا خطة الداخلية نجحت مبدئيا. خصوصا بعد تعليق المجموعات لنضالاتها في الشارع لوقت لاحق.
المعطلون في هذه الفترة متواجدون في مدينة الرباط ويتأسفون لهذا النفاق السياسي البين، والمتجسد في إظهار محاسن الأشياء وإخفاء العيوب. كان الأولى بالدولة المغربية أن تحتفل بإدماج هؤلاء المعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية وأن تفتخر لأنها ستقدم خدمة قوية لهذا الشعب الحزين.
الدولة، المتمثلة في الكاتب العام لولاية الرباط ومستشار الوزير السيد البكاري، لم تفي بوعدها مبدئيا ولم تعقد اللقاء الثاني الذي كان من المفترض أن يكون في 17 من هذا الشهر. مما دفع بالمجموعات المعطلة إلى التشكيك في وعود الدولة، هذه الوعود التي ستظل قائمة إلى حدود 10 من الشهر القادم، وهو اليوم الذي وعد فيه المسؤولين بطي ملف المعطلين في الرباط وإدماج نسبة مهمة منهم خصوصا تلك المجموعات التي بقيت من التسوية السابقة. وفي حالة عدم الوفاء لهذه الوعود، وعدم إدماج المعطلين بنفس الطريقة التي تم الاتفاق عليها، فالأكيد أن شوارع الرباط ستتسخ من جديد بدماء المعطلين الشرفاء حاملي الشواهد العليا، وهذه المرة المعطلون لن يتراجعوا كما فعلوا في المرةالسابقة بحس النية، وبتالي سيرفعون شعارا أحمر هو " عاهدنا العائلات إما التوظيف أو الممات". وهذا ما أكدته بعض المجموعات المرابطة في الرباط، خصوصا تلك المجموعات التي طال انتظارها وزاد ألمها كمجموعة التجمع المغربي ومجموعة الشعلة للأطر العليا المعطلة.
هؤلاء المعطلون يحبون هذا المغرب ويأملون في غد أفضل ولكن نفاق الدولة السياسي يحرجهم أكثر من أي وقت مضى. خصوصا في هذه الفترة التي ندعي فيها أن الرباط هي عاصمة البيئة والأرض إن صح هذا التعبير. مفارقات بالجملة في عاصمة المغرب الرباط، هذه المفارقات تتجسدن على مستوى الواقع أكثر مما تتجسدن على مستوى الإعلام السمعي البصري والمكتوب. فالإعلام المغربي، خصوصا الإعلام غير المستقل، هو الآخر يمارس نوعا من النفاق على هذا الشعب الحزين.